في الذكرى الأولى لـ«سيول جدة».. الأهالي يقضون إجازة العيد خارجها

عام مضى بالضبط، على أحداث راح ضحيتها نحو 123 قتيلا، جراء سيول شهدتها مدينة جدة في الثامن من شهر ذي الحجة الماضي، أجبرت عروس البحر على ارتداء ثوب الحداد بعدمرورها بسيناريو «الأربعاء الأسود»، الذي ما زال عالقا في أذهان السعوديين عموما حتى الآن.
أهالي جدة ما زالوا يعيشون حالة قلق وخوف من احتمالية تكرار ما حدث، متخلين على الفرحة التي كانوا يشعرون بها أثناء مواسم الأمطار قبل وقوع الكارثة، الأمر الذي دفع ببعضهم إلى قضاء إجازة عيد الأضحى المبارك لهذا العام خارجها، بينما لم يستطع آخرون إزالة ذكريات جراح الكارثة بعد.
أحداث كارثة جدة منذ وقوعها لليوم، ما زالت تتصدر أحاديث المجتمعات العامة على اختلاف فئاتها العمرية وثقافاتها وأجناسها، فضلا عن كونها حجر أساس استندت عليه كافة الجهات الحكومية المعنية في استحداث خطط لمواجهة الكوارث الطبيعية التي لم تعتدها السعودية من قبل.
أحمد عبد الله، قرر منذ انتهاء شهر رمضان المبارك التخطيط لقضاء إجازة عيد الأضحى في الرياض، وذلك نتيجة خوفه من تكرار الضغط النفسي الذي عاشه وعائلته العام الماضي، فضلا عن وجود بقية أفراد أسرته في العاصمة.
وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «أوقن بأن المخاوف التي أشعر بها هذه الأيام ما هي إلا عوامل نفسية أكثر من كونها واقعا من المؤكد حدوثه، إلا أن القلق الذي شعرت به أسرتي في الرياض العام الماضي جعلني أفضل قضاء هذه الأيام معهم بعيدا عن كل تلك الضغوطات».
وأرجع أسباب استمرار مخاوفه على الرغم من عدم وجود معلومات دقيقة حول احتمالية تكرار أحداث الكارثة مرة أخرى إلى الإعلان الذي سبق دخول موسم الحج حول إمكانية هطول أمطار غزيرة على مدينة جدة، إلى جانب قيام الجهات المعنية ببعض التجارب الفرضية للتعامل مع الكوارث، على الرغم من أنها من المفترض أن تبعث الطمأنينة قليلا في نفوس الأهالي.
وأضاف: «أيدت زوجتي فكرة الخروج من جدة خلال الأيام المقبلة تفاديا لتكرار الأحداث مرة أخرى، غير أن وجود بعض من أقاربي بها من شأنه أن يجعلنا نعيش حالة توجس في حال هطول أمطار عليها».
ولفت إلى أن الأمطار التي شهدتها مكة المكرمة مؤخرا كانت سببا في تخلي بعض الجهات عن مسؤولياتها وتحميلها لجهات أخرى، وهو ما كان سببا في التأثير سلبا على نفوس الأهالي الذين بدورهم فقدوا الثقة بتلك الجهات على خلفية عدم جاهزيتها للتعامل مع السيول والأمطار، الأمر الذي من شأنه أن يقلل من مصداقيتها أيضا.
وكان تأثر السيدة سحر علي بجراح في أحداث عيد الأضحى العام الماضي سببا في اتخاذها قرار قضاء إجازة هذه السنة خارج السعودية، خصوصا أن موسم الحج بات يرتبط في ذهنها بذكريات وصفتها بـ«المأساوية» جرّاء ما تعرضت له مدينة جدة.
وفي الوقت ذاته الذي وقعت فيه الكارثة العام الماضي، عاشت مدينة جدة يوما عصيبا بعد التأكد من تسرب مياه بحيرة الصرف الصحي وتداول تنبيهات وتحذيرات بإخلاء الأحياء الواقعة شرق الخط السريع.
وشهدت مستشفيات مدينة جدة في ذلك الوقت حالة استنفار كبير تضمنت إخلاء المستشفيات القريبة من شرق الخط السريع وتحويل المرضى إلى مستشفيات غرب جدة، التي من ضمنها مستشفى العيون والعزيزية الواقعين بالقرب من شرق جدة.
كما تم إعلان الطوارئ في كل المستشفيات وتجهيز نحو تسعة فرق طبية للتحرك إلى المواقع التي من الممكن أن تتضرر، لا سيما أن كل فرقة كانت تصحبها سيارة إسعاف مجهزة.
وأثارت التحذيرات، التي بثتها الأجهزة الأمنية حول تسرب مياه بحيرة الصرف الصحي، تنبيهات بإخلاء نحو تسعة أحياء واقعة شرق الخط السريع، من ضمنها الحرمين والسامر والصفا، مما أدى إلى هلع سكان تلك الأحياء.
وهنا، علقت السيدة سحر علي خلال حديثها لـ«الشرق الأوسط» بالقول: «عشنا ضغطا نفسيا كبيرا، خاصة من المعلومات المتعلقة بانهيار سد بحيرة الصرف الصحي العام الماضي، إلا أننا قد نتفاءل الآن بأن ينقضي الموسم من دون أي كوارث سواء للحجاج أو أهل البلد».
وذكرت أن المجتمع العربي بشكل عام والسعودي خصوصا يعاني من كونه عاطفيا، مما يجعله لا يتعامل مع الأحداث بجدية، مشيرة إلى أن ذلك سبب في إثارة مخاوفه حيال التجارب والاختبارات الفرضية التي قامت بها الجهات المعنية قبل دخول موسم الحج للتعامل مع الأمطار والسيول.
وزادت: «من الضروري على الجميع تعلم كيفية العمل بالاحتياطات والوعي بها من أجل وضع خطط احترازية لكل حدث، حتى داخل المنازل أنفسها، كي يتم التعامل مع الأحداث بالشكل المطلوب».
واعتبرت أن الكارثة التي شهدتها مدينة جدة العام الماضي بمثابة مؤشر يفرض على الجميع استحداث خطة للتعامل مع الكوارث الطبيعية التي تعد جديدة على بلد كالسعودية، مؤكدة في الوقت نفسه أن القيام بتجارب افتراضية قد يصيب الناس بالذعر إلا أن هذه الاختبارات ضرورية جدا لتدريب وتأهيل الجهات المعنية على كيفية التعامل الصحيح في الحالات الطارئة.
وبطبيعة عملها في أحد المستشفيات الحكومية بجدة، أشارت أم خالد إلى أن أحداث العام الماضي كانت مثار أحاديث بينها وبين زملائها وزميلاتها بالمستشفى، يوم أمس، مبينة أنه تم تداولها بشيء من الضحك، إلا أن المشاهد المأساوية التي شاهدوها طغت على محاولة محو تلك الذكريات المؤلمة.
وأضافت: «العام الماضي تم الإعلان عن حالة إنذار جراء الأحداث التي طالت مدينة جدة، ولم نكن نعلم ما الذي يحدث خارج أسوار المستشفى، وهو ما جعلنا نعتبر إجراء المستشفى نوعا من المبالغة».
وبينت أن إدارة المستشفى كانت بصدد منع الموظفين والكوادر الطبية من الذهاب إلى منازلهم نتيجة إغلاق الطرق، إلا أن عددا كبيرا رفض المبيت في المدينة الطبية التابعة للمستشفى، ليكتشفوا بعد خروجهم أنهم جازفوا بحياتهم حينما خالفوا توجيهات إداراتهم. واستطردت في القول: «لم نكن نعي حجم الكارثة إلا بعد أن شاهدنا الوضع على أرض الواقع، إلى جانب مقاطع الفيديو المتداولة بين الناس، التي كانت متصدرة موقع (يوتيوب) من حيث عدد المشاهدين لها آنذاك، الأمر الذي جعلنا نتأكد من أن الوضع كان أكبر بكثير مما كنا نتوقع».
وأوضحت أم خالد أن قرار خروجها من جدة في هذه الأيام لن يخفف من حدة القلق والتوتر اللذين ستشعر بهما حيال معارفها، في حال هطول أي أمطار، ولا سيما أن الخوف من المواسم الممطرة بات أمرا طبيعيا بعد أحداث الأربعاء الأسود، مؤكدة أنها ستكون على اتصال دائم بهم للاطمئنان عليهم.
ولأن ما شهدته عروس البحر من أحداث لم يكن عاديا، يؤكد عبد الرحمن الغامدي، أحد موظفي القطاع الخاص على أن إضاءة مكتبه يوم أمس ذكرته بالأربعاء الأسود، وذلك بعد أن تعرضت لخلل تسبب في ضعف الإنارة بعض الشيء.
وقال لـ«الشرق الأوسط»: «وضع إضاءة مكتبي يوم أمس كان شبيها بذلك العام الماضي، حينما كنت أباشر عملي في آخر يوم من أيام الدوام الرسمي، ولا سيما أن الغيوم كانت تغطي سماء جدة آنذاك لتعلن عن هطول أمطار غزيرة، وهو ما جعلني أخفف الإضاءة وقتها لأستمتع بالأجواء، دون أن أعلم ما ستؤول إليه الحال بعد ذلك».
من جهته، دعا اللواء عادل زمزمي مدير إدارة الدفاع المدني في منطقة مكة المكرمة إلى ضرورة الابتعاد عن التشاؤم، مؤكدا أن الأوضاع حتى الآن لم تتعد مرحلة التنبيه الأولى من قبل الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، والمتضمن احتمالية هطول أمطار خفيفة على المنطقة خلال أيام موسم الحج.
وقال في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط»: «إن الأهداف الرئيسية من إجراء التجارب والاختبارات الفرضية التي شهدتها المناطق المتضررة منذ العام الماضي، تتمثل في توعية الأهالي بطرق التعامل مع أي تنبيهات أو إنذارات، فضلا عن منحهم خلفية حول طريقة التجاوب مع أمر إخلاء المنطقة في حال وقوع أي شيء».
وأبان أن التجارب الفرضية كانت بمثابة اختبار لاستعدادات الجهات المعنية لتنفيذ خطة الأمطار والسيول، والموضوعة من قبل الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة، لافتا إلى أنه تم التأكد من قدرة كل جهة على القيام بالمهام المسؤولة عنها، والإمكانات التي من المفترض المشاركة بها في حال تكرر ما حدث العام الماضي.
واستطرد في القول: «تم تطبيق ما يقارب 509 آليات أثناء القيام بالتجارب الفرضية، التي كانت موجودة في مواقع إجرائها، وهو ما بين جاهزية استعدادات كافة الجهات وقدرتها على الاستفادة منها في أي حدث»، مؤكدا أن تلك التجارب أثبتت مدى الجاهزية بشكل كامل.
وأفاد بأن ما تم إنجازه من إجراءات تتضمن فتح قنوات تصريف السيول وإزالة بعض العقوم التي كانت سببا في حدوث الكارثة العام الماضي، إلى جانب إنشاء السدود المؤقتة، جميعها تبعث الطمأنينة نتيجة استبعاد تكرار المأساة مرة أخرى.
وأضاف: «إن كل الجهات الحكومية المعنية تعمل على تنفيذ خطة مواجهة الأمطار والسيول في العاصمة المقدسة والصادرة من قبل الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، باعتبارها تحدد أدوار كل جهة منها».
وفيما يتعلق بإدارة الدفاع المدني، أعلن اللواء عادل زمزمي عن وجود خارطة لمخاطر السيول، التي تم إعدادها لإيضاح المناطق المحتمل تعرضها لأي خطر جراء هطول الأمطار، وتلك التي قد تشهد تجمعات للمياه أيضا».
وأكد على وجود خطة تفصيلية مع جهات عدة، من ضمنها الأمانة ووزارتا الحج والنقل والنقابة العامة للسيارات، إلى جانب البلديات، وذلك من أجل إعداد فرق تمركز مكونة من قوى بشرية وآليات يتم انتقالها وفق الخارطة في حال وجود أي تحذيرات.
وذكر مدير إدارة الدفاع المدني في منطقة مكة المكرمة أن هذه الخارطة تشمل العاصمة المقدسة والمشاعر، وذلك بهدف اتخاذ أي إجراء يتطلب الإخلاء أو الإزالة في وقت سريع، لافتا إلى وجود خرائط أخرى لكل منطقة من مناطق السعودية تحدد مجاري الأودية وتجمعات المياه.
وحول وجود أي تحذيرات من قبل الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، أبان اللواء عادل زمزمي أنها ما زالت تنبيهات لم تصل إلى مرحلة التحذير، وذلك في ظل توقعات بهطول أمطار خفيفة خلال أيام موسم الحج على منطقة مكة المكرمة، بحسب قوله. وزاد: «في حال وجود احتمالات تكون سحب ركامية أو مؤشرات لهطول أمطار سيتم بث تحذيرات بذلك، خصوصا أن هناك اتصالا مباشرا على مدار الساعة مع الأرصاد، فضلا عن شاشات غرف العمليات التي تأخذ المعلومات كافة للعمل بها».